يظهر طفل برج الحوت منذ البداية كارها لواقع الحياة و رتابتها , هاويا للتمثيل بغية الهروب إلى عالم آخر أجمل و أهنأ . إن ميله هذا يسهل في الواقع أمر تربيته و رعايته . فإذا أرادت والدته إقناعه بأمر ما عليها الدخول معه في تمثيلية وهمية ينسى فيها نفسه فينقاد إلى أوامرها طائعا مختارا . تستطيع مثلا التظاهر بأنها جنية لطيفة جاءت ترش عينيه بالنوم فينام , أو تدعي أن الملعقة عصفور هائم , و أن فمه هو العش , فيفتحه و يتلقف الطعام , و هكذا . . . إن أي أسلوب يتسم بطابع الغرابة يظل أفضل بالنسبة إليه من الروتين الذي يسير عليه الأطفال عادة . إنه على كل حال يرفض اللجوء إلى العنف و الصراخ للوصول إلى مبتغاه , و يستعمل عوضا منهما أساليب ملتوية فيها الكثير من الذكاء و الحكمة .
حاجة هذا الطفل إلى التقدير و التشجيع ماسة بسبب ثقته القليلة بنفسه و إيمانه بأن كفاءاته محدودة . و هو حساس خجول سريع العطب و لكنه قادر على إخفاء حقيقة أمره تحت ستار التكتم و الادعاء . و مع أنه ماهر في تحوير الواقع إلا أنه يصر على القول إنه صادق لا يكذب . كذبه على حال من النوع البريء الناجم عن الخوف من تعرية الحقائق . هذا من ناحية , و من ناحية أخرى يعتبر في المدرسة مصدر حيرة و استغراب معلميه و ذلك بسبب رفضه أساليب التعليم المألوفة و اتباعه أسلوبا خاصا به وحده تثبت جدارته مع الوقت . هو أيضا طفل فنان يتذوق الموسيقى و الرقص و يدهش الناس بخفته و رشاقـته , كما ينجذب بقوة نحو رجالات الحرب و علماء الفضاء و كبار الموسيقيين و النحاتين . يفضل معاشرة الكبار على الصغار , و مع ذلك يتهرب من الواجب و المسؤولية .
يعيش طفل برج الحوت حالة تقمص غريبة إذ يتحدث عن أناس ماتوا قبل ولادته , و يسرد بعض الوقائع قبيل حدوثها . إن الخطر كل الخطر أن تقابل هذه الظاهرة بالهزء أو اللوم أو الاتهام بالكذب لأن الأيام و الحوادث كثيرا ما تثبت صدق رؤية هذا الطفل العجيب . بالمقابل لا يجوز تركه فريسة أوهامه و خيالاته دون تدخل بناء من قبل أهله و مربيه . إن في الإمكان معالجة أمره بالرفق و الصبر و المحبة إلى أن يستطيع التكيف للعالم الذي يعيش فيه و ينجح في تحويل جزء من أحلامه إلى واقع ملموس فيه سعادته و استقراره.